[ad_1]
بغداد/ النور نيوز
أجرى العراق منذ أيام حوارا استراتيجيا، مع الولايات المتحدة، بهدف تنظيم العلاقة بين البلدين، وهو ما طرح تساؤلات عن طبيعة القرار الأميركي النهائي، بشأن وجود قواتها القتالية في العراق، واستراتيجية واشنطن المقبلة في العراق.
ويطرح الأمر ذلك تساؤلات عن طبيعة الانسحاب الأميركي، من البلاد، وفيما إذا سيكون شاملاً لجميع قواتها من البلاد، أم الإبقاء على جزء داخل القواعد العراقية، خاصة وأن جولات الحوار الاستراتيجي تؤكد على العلاقة الدائمة بين البلدين، والتعاون فيما يتعلق بمواجهة تنظيم داعش.
يستعرض “النور نيوز” في التقرير أدناه الإجابة عن الأسئلة الواردة المطروحة في الساحة العراقية:
لمحة تاريخية
تعود مسألة إنهاء الوجود الأميركي في العراق، إلى اتفاقية إستراتيجية بين البلدين عقدت في عام 2008 وتم تنفيذها في 2011، قبل أن تطلب بغداد عام 2014 عودة القوات الأميركية بعد اجتياح تنظيم داعش مناطق شاسعة من شمال وشمال غربي العراق، لتستمر منذ ذلك الحين المناورات بين الفصائل المسلحة مع القوات الأميركية داخل الأراضي العراقية.
أولى جولات الحوار الإستراتيجي بين بغداد وواشنطن عقدت في يونيو/حزيران الماضي، بينما عقدت الثانية خلال أغسطس/آب 2020.
وشملت الجولتان السابقتان اتخاذ خطوات على طريق خفض القوات الأميركية، إثر ضغوط متواصلة من أطراف سياسية عراقية مناهضة للوجود الأجنبي في البلاد.
وفي جولة الحوار الثالثة، اتفق العراق مع الولايات المتحدة على سحب آخر القوات الأميركية المقاتلة الموجودة على أراضيه، حيث ما تزال تنتشر للتصدي لتنظيم داعش.
وأكد البلدان في بيان مشترك بختام الجولة الثالثة من الحوار الإستراتيجي بينهما عبر تقنية الاتصال المرئي، أن “مهمة الولايات المتحدة وقوات التحالف تحولت إلى مهمة تدريب ومشورة، ما يتيح تاليا إعادة نشر أي قوة مقاتلة ما تزال في العراق، على أن يحدد الجدول الزمني لذلك خلال محادثات مقبلة”.
وخلال الجولة الرابعة، جاء الإعلان الرسمي عن بقاء نحو 2500 جندي أميركي في العراق أثناء اجتماع بايدن مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في البيت الأبيض، مع تعديل مهمتها لتركز على التدريب والدعم اللوجستي والاستشاري للقوات العراقية مع الحد من الدور القتالي للقوات الأميركية.
ما أهمية الجولة الأخيرة؟
وتكتسي هذه الاتفاقات أهمية كبيرة، بالنظر إلى ما يعانيه العراق من ظروف اقتصادية صعبة؛ فبحسب بيانات البنك الدولي، يوجد في العراق نحو 15 مليون شخص عاطل عن العمل، و10 ملايين شخص يعيشون تحت مستوى خط الفقر و4 ملايين شخص يعيشون في مدن عشوائية و6 ملايين طفل يتيم يعانون ظروفاً قاسية بسبب الحروب، بالإضافة إلى انتشار الأمية والجهل بين 8 ملايين مواطن.
كما أن ارتفاع الديون إلى 134 مليار دولار والعجز المالي إلى 100 مليار دولار، وذلك كله بسبب السياسات الفاشلة للحكومات العراقية السابقة التي لم تتبنَّ استراتيجية شاملة لبناء الاقتصاد والمجتمع العراقي؛ لذا يفترض اليوم اعتماد اقتصاد السوق المفتوح وفسح المجال للاستثمارات الوطنية والدولية للاستثمار في الثروات الطبيعية التي تقدر قيمتها بـ 20 ترليون دولار لكي يتمتع الشعب العراقي بالرفاهية والازدهار بدلاً من الفقر والبطالة والحروب.
وأسفرت الجولة النهائية من الحوار، عن صوغ أسس لعلاقات البلدين في المرحلة المقبلة، تتفق مع مصالحهما، بما يساعد العراق على وجه الخصوص على مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية التي يواجهها، حيث يحتاج العراق إلى الدعم الأمريكي لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وكذلك لمواجهة الإرهاب، كما أن إنهاء المهام القتالية للقوات العسكرية في البلاد والاقتصار على تقديم المشورة والتدريب من شأنه أن يساعد في تحقيق نوع من الاستقرار الأمني الداخلي.
هل هناك وجود أميركي آخر؟
لا يقتصر الوجود الأميركي في العراق، على تلك القوات، فلدى الولايات المتحدة، مشاركة واسعة، ضمن حلف الناتو، الذي قرر في فبراير، الماضي، زيادة عديد قوّاته في البلاد إلى 4 آلاف، فيما قالت واشنطن، إنها سوف تساهم بنصيبها العادل في هذه المهمة.
وفتحت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، الباب أمام احتمال إرسال المزيد من القوات الأميركية إلى العراق كجزء من المهمة التدريبية الموسعة لحلف شمال الأطلسي ” ناتو” بهدف دعم القوات العراقية وضمان عدم عودة النشاط لتنظيم داعش.
وقالت جيسيكا ماكنولتي المتحدثة باسم الوزارة في تصريحات سابقة لها: إن “الولايات المتحدة تشارك في عمليات الناتو بالعراق وسوف تساهم بنصيبها العادل في هذه المهمة الموسعة”، مضيفة أن “الولايات المتحدة وشركاءها في التحالف الدولي لهزيمة داعش ملتزمون بضمان هزيمة هذا التنظيم”.
ولدى الولايات المتحدة، وجود على عدة مستويات في العراق، مثل الشركات العاملة في المجالات الأمنية، وكذلك ضمن قوات التحالف الدولي، وبعثة حلف الناتو، فضلاً عن الوجود الدبلوماسي الذي يعد الأكبر من نوعه، بسبب مساحة وتعدد مهام السفارة الأميركية في البلاد، فضلاً عن الوجود في الأجواء العراقية، والسيطرة عليها بشكل شبه تام.
كيف نظر الداخل العراقي إلى الاتفاق؟
داخلياً، رحبت أوساط سياسية وشعبية عراقية، بالمخرجات النهائية، للجولة الرابعة للحوار الاستراتيجي، بين بغداد واشنطن، فيما طالب زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الفصائل المسلحة، بوقف الهجمات ضد البعثات والمنشآت الدبلوماسية.
وعبرت كتل سياسية عراقية، عن دعمها للوفد التفاوضي العراقي، الذي ترأسه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، حيث دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الاثنين الماضي، إلى وقف العمل العسكري من قبل ما أسماها بـ”المقاومة” لحين إكمال إنسحاب القوات الأميركية”.
وقال الصدر في بيان له: “شكرا للمقاومة العراقية الوطنية، فها هو الاحتلال يعلن عن بدء انسحاب قواته القتالية أجمع، لننتظر وإياكم إتمام الانسحاب.. وشكرا للجهود المبذولة لبلورة هذه الاتفاقية ولا سيما الأخ الكاظمي”.
وأضاف “مع العلم إننا قد بينا شروطا فيما سبق ومع تحققها يجب وقف العمل العسكري للمقاومة مطلقا.. والسعي لدعم القوات الأمنية العراقية من الجيش والشرطة لاستعادة الأمن وبسطه على الأراضي العراقية وإبعاد شبح الإرهاب والعنف والمتطفلين وأدعياء المقاومة”.
وعلى رغم أن الفصائل المسلحة، هاجمت مخرجات الزيارة، حتى قبل صدورها، ورفضت الالتزام بأي نتائج قد تصدر عنها، إلا أن تحالف الفتح الذي يعتبر المظلة السياسية لتلك الفصائل، رحب بهذا الاتفاق، وعده إنجازاً وطنياً.
وقال التحالف في بيان: إنه “يرحب بما حققه المفاوض العراقي من إنجاز وطني بالاتفاق على خروج القوات القتالية بشكل كامل في نهاية هذا العام، ويعدها خطوة إيجابية متقدمة باتجاه تحقيق السيادة الوطنية الكاملة”.
وأضاف بيان التحالف، “نأمل من المسؤولين المعنيين في الدولة العراقية متابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بشكل عملي، وكل الشكر والتقدير للمفاوض العراقي على هذا الإنجاز الوطني”.
ماذا قال السنة والكرد؟
من جهته، رحب زعيم تحالف “عزم” برئاسة خميس الخنجر، بمخرجات الحوار الستراتيجي، فيما أشار إلى أن ذلك يحسب لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والوفد المفاوض.
وأعرب الخنجر في بيان عن دعمه عن “أي خطوة باتجاه تنظيم العلاقة مع الولايات المتحدة وبما يخدم العراق، ويدعم قواتنا بالتدريب والتنسيق الاستخباري الذي نحتاجه في هذه المرحلة”.
وأضاف، أن “ما تحقق خطوة موفقة تحسب لرئيس الوزراء والوفد المفاوض والقوى السياسية التي اتفقت على هذه المبادئ”.
كردياً، رحب رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، بنتائج الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق.
وقال بارزاني في تغريدة على تويتر، “أرحب بنتائج الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق”، معتبرا “بإنها خطوة مهمة نحو تعزيز الشراكة الإستراتيجية طويلة الأمد في القضايا الرئيسية مثل الاستقرار الإقليمي والتعاون الاقتصادي والثقافي”.
وتعكس تلك المواقف رضا عراقياً داخلياً، على نتائج الحوار بين بغداد وواشنطن، إلا بعض الفصائل المسلحة، والتي ترفض الوجود الأجنبي في البلاد، حتى الشركات ذات النشاط الاقتصادي، أو تلك العاملة في تأمين البعثات الدبلوماسية.
ويرى المحلل السياسي، وائل الشمري، أن “العراق بعد انتهاء جولة الحوار، سيكون أفضل من قبله، وهذا يعود إلى الهدوء الذي ساد الوضع في البلاد، وشبه الاتفاق على مخرجات الحوار، لإنهاء التوتر الحالي، بسبب الصراع الإيراني الأميركي، ما ينعكس إيجاباً على ملف الانتخابات المبكرة، في أكتوبر المقبل، ويمنح العملية السياسية دفعات جيدة للارتكاز”.
ويضيف الشمري في تصريح لـ “النور نيوز” أن “هذا الاتفاق ربما هو الأول الذي يحظى بإجماع الكتل السياسية، المعتد برأيها، والممثلة لمكونات الشعب العراقي، لكن تبقى المجموعات المسلحة، وهذه المرحلة الجديدة من علاقة العراق بالولايات المتحدة، التي توسعت لتشمل مختلف الجوانب”.
ويوجد في الوقت الراهن 2500 جندي أمريكي في العراق تتركز مهامهم على التصدي لفلول تنظيم داعش، وسيتغير الدور الأمريكي في العراق بالكامل ليقتصر على التدريب وتقديم المشورة للجيش العراقي.
هل ستتوقف هجمات الكاتيوشا؟
تقول مجلة ”فورين بوليسي“ الأميركية، إن تسمية جو بايدن للقوات الأمريكية في العراق كقوات غير قتالية، لن تمنع الفصائل المسلحة، من استهدافها، وجادلت بأن الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية خطيرة.
ولفتت في تقرير نشرته، اليوم الأربعاء، إلى أنه “في الأسبوع الماضي في البيت الأبيض، أخبر الرئيس الأمريكي جو بايدن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أن القوات القتالية الأمريكية ستنسحب من العراق بحلول نهاية العام، ولكن القوات الأمريكية التي تخدم في أدوار غير قتالية، مثل التدريب وتقديم المشورة وتقديم المعلومات الاستخبارية لقوات الأمن العراقية ستبقى“.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تبدو كبيرة للوهلة الأولى، إلا أن الحقيقة هي أن الغالبية العظمى من الـ 2500 جندي أمريكي في العراق كانوا يخدمون في أدوار غير قتالية منذ أكثر من عام.
ووفقا للمجلة، كان إعلان يوم الاثنين الماضي عما يسمى بالانسحاب يتمحور في الحقيقة حول تغير المسميات وليس السياسة، وكان يهدف إلى مساعدة الكاظمي على استرضاء العناصر التي تعارض الوجود الأمريكي في العراق، وأنصارها من بين العراقيين، الذين سيصوتون في الانتخابات الوطنية في أكتوبر/ تشرين الأول.
وفي حين كان إعلان بايدن لفتة حسنة النية، فإن هذه الحيلة لم تنطلِ على الجميع، ففي بيانين تم إصدارهما قبل وبعد اجتماع بايدن والكاظمي بفترة وجيزة، أعلنت ”لجنة تنسيق المقاومة“، التي تضم أكثر الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق، أنها لن تنخدع بحيلة إعادة التسمية. وفق المجلة ذاتها.
هل هناك استهداف لغير القوات القتالية؟
وتقول الفصائل المسلحة، إنها لا ترفض إبقاء مستشارين من الولايات المتحدة، لتدريب القوات العراقية، وفق الحاجة، كما أنها لا تستهدف البعثات الأجنبية، العاملة في البلاد، لكن واقع الحال أن العراق شهد خلال الفترة الماضية، عدة استهدافات لمواقع عسكرية، وأخرى غير عسكرية، ولا توجد فيها قوات قتالية.
فعلى سبيل المثال تعرضت دورية للسفارة البريطانية، العام الماضي، إلى تفجير بعبوة ناسفة، وسط العاصمة بغداد، عندما كانت في طريقها إلى المنطقة الخضراء.
كما استهدف هجوم صاروخي مقر شركة ” G4s ” البريطانية للخدمات الأمنية في حي القادسية غربي العاصمة العراقية بغداد نهاية العام الماضي، وهو ما تسبب بأضرار مادية في المبنى، دون سقوط ضحايا.
والشركة هي مسؤولة الملف الأمني، في مطار بغداد الدولي، ما يعطي مؤشرات عن طبيعة المرحلة المقبلة.
وفي العام ذاته، استهدفت عبوة ناسفة رتلاً تابعاً لبعثة الأمم المتحد(يونامي) عندما كانت في طريقها إلى محافظة نينوى، شمالي البلاد، دون أن تتسبب بأضرار بشرية.
كما أن القصف المتكرر على قاعدة بلد الجوية، وهي خالية من الوجود الأميركي، غير شركة مارتن لوكهيد، المتخصصة في صيانة الطائرات، وإدامتها، وهي متعاقدة مع الحكومة العراقية، على تدريب الكوادر المحلية، وتهيئة الطائرات، لتنفيذ الطلعات الجوية، غير أن ما تعرضت له تلك الشركة، من قصف متكرر بصواريخ الكاتيوشا، أجبرها على الرحيل من البلاد، وترك الطائرات العراقي إلى مصير مجهول، حيث تعطلت أغلب الطلعات الجوية، خاصة وأن العراق يعتمد عليها في قصف أوكار داعش، في المناطق النائية، والجبلية.
وأصبح قصف تلك القاعدة وما حدث بعدها من مغادرة الشركة البلاد، دليلاً واضحاً على أن تلك الفصائل لا تستهدف القوات القتالية فقط، وأن المستشارين والشركات الأجنبية، هي ضمن لائحة الاستهداف.
ملخص
يتضح مما سبق أن العلاقة بين العراق والولايات المتحدة، اتسعت مجالاتها بشكل أكبر من العسكري، لتشمل الأمور الاقتصادية، والتعليمية، والثقافية، وغيرها، ما يعني أن على الحكومة العراقية الاستفادة من تلك العلاقة وتحقيق مكاسب كبيرة للشعب العراقي منها.
عسكرياً، فإن الانسحاب الأميركي، غير واضح المعالم، إذ لا يمكن أن يكون 2500 جندي في مهمة استشارية، وتدريبية، فضلاً عن أن تلك القوات عند قدومها من الولايات المتحدة، كانت في مهمة قتالية واضحة، فتجهيزاتها العسكرية، وتدريباتها التي تلقتها، وطبيعة تكوينها، منذ عام 2014، هي في مهمة قتالية، فكيف تتحول في ليلة وضحاها إلى التدريب والاستشارة.
ويسأل آخرون، كيف يصبح الجندي القتالي، في لحظة واحدة، مدرب ومستشار، وكيف تصريح القوة القتالية، التي قاتلت داعش، في مهمة أخرى، عبر قرار يُتخذ من البيت، الأبيض، ما يطرح علامات استفهام على القرال الأميركي، وهو ما اكدته الفصائل المسلحة، التي تطالب بخروج القوات الأميركية مضموناً وليس شكلاً من البلاد، ما يعني أن العراق مقبل على تصعيد آخر، بسبب عدم تحقق شروط الفصائل المسلحة، وما لهذا التصعيد من انعكاس على الوضع الخدمي والانساني والواقع الاقتصادي.
[ad_2]